المشاركات

الوعي و الوجود

يعتقد البعض أن الدماغ، و هو المادة الرمادية التي تسكن الجمجمة، و وزنها يبلغ في المتوسط كيلو غراما و نصف هو المسؤول عن معرفة العالم من خلال العمليات الكهروكيميائية التي تجري بداخله لتدير الأعمال الحيوية الميكانيكية للكائن الحي من جهة، كالحركة و امتصاص الطعام و تحويله إلى طاقة مفيدة و طرح الفضلات الناتجة عن الأكل والشرب ... إلى آخر ما هنالك من أعمال لا غنى عنها لاستمرار الحياة، و لإنتاج الوعي اللازم لمعرفة العالم الخارجي و التفاعل معه من جهة أخرى. يتكون الدماغ من فصين: أيمن و أيسر، لكل منهما وظائف تختلف عن وظائف الشق الآخر سواء أكانت هذه الوظائف ميكانيكية تتعلق باتصال كل منهما بأعضاء الجسم، أو شخصية تتعلق بأنواع المهارات و طريقة أداء الكائن الحي للأعمال المختلفة و تكوين الرأي و الشخصية، و إن كانا يتكاملان في عملهما معا. في الدماغ عدد من الخلايا العصبية يقارب عدد نجوم المجرة، أي أكثر من مئة مليار خلية عصبية، تعمل هذه الخلايا مع بعضها بشكل متكامل لتحدد معالم الأنا التي تميز شخصية كل فرد منا دون أن يكون لهذه الأنا موقع محدد في الدماغ، يمكن تشبيه هذه الخلايا بحاسوب ( CPU )   يقوم بكافة ا

هل تعقل القلوب؟

اعتقدت كثير من الحضارات الإنسانية قديمها و حديثها بأن للقلب وظيفة أكبر من ضخ الدم خلال شرايين الكائن الحي، وظيفة تتعلق بالأفكار و العواطف، و قد عبّرت كثير من الأدبيات العالمية عن أدق المشاعر و أرهفها بأنها تخرج من أعماق القلب، لا بل إن القرآن الكريم قد أشار إشارة واضحة إلى امتلاك القلوب خاصية عقلانية تسمو على الحس و البصر في الآية الكريمة التالية: " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". الحج-46.   أما العلم الحديث فقد   نظر إلى القلب على أنه مجرد مضخة لتنظيم تدفق الدم عبر جسم الكائن الحي حتى جاءت التسعينات من القرن الماضي عندما اكتشف الدكتور أرمور ( Dr. J. Andrew Armour )* في عام 1991 أن للقلب "دماغه الصغير" أو "جهازه العصبي القلبي الداخلي". يتكون "دماغ القلب" هذا من حوالي 40.000 خلية عصبية مشابهة لتلك التي نجدها في الدماغ، مما يعني أن للقلب نظاماً عصبياً خاصاً به و أنه لم يعد مضخة تضخ الدم و حسب ، أو أنه و كما كان الاعتقاد السائد أيضا مركز التحكم بالجسم وذل

الكون المستتر في الظلام

صورة
تنتشر في السماء مليارات المليارات من النجوم لا نرى بالعين المجردة منها سوى النذر اليسير، لكن رصد السماء من خلال المراقب العملاقة المزودة بوسائل التكنولوجيا الحديثة يسمح لنا بالاستمتاع برؤية ملايين الملايين من النجوم التي ترصّع السماء كحبات الياقوت و العقيق و اللؤلؤ و المرجان بألوان بهيجة مختلفة. و في الكون من النجوم ما يفوق حجمه ملايين المرات حجم الشمس، و منها ما يقل حجمه عن حجم الأرض. تتجمع النجوم في مليارات من الجزر الكونية المنتشرة في السماء تسمى بالمجرات و في كل من هذه المجرات مئات المليارات من النجوم, لمعظمها كواكب تدور في مجال جاذبيتها، قد يكون بعض هذه الكواكب مثيلا للأرض، أو على الأقل صالحا للحياة. لقد تبين منذ عام 1929 أن هذه المجرات تتباعد عن بعضها بشكل مستمر مما يعني أن الكون في توسع وتمدد دائم، وقد توقع العلماء حينها أن يستمر الكون في التوسع ضد جاذبيته الذاتية التي تشده نحو المركز، ثم تعود أجزاؤه لتتهاوى على نفسها من جديد،   مثله في ذلك مثل الكرة التي نرميها   إلى الأعلى بعيدا عن مركز الأرض فإنها تنطلق مسرعة في البداية، ثم تتناقص سرعتها بالتدريج ثم تنعدم حركتها تماما فت

تحسين العقل

صورة
يمكن تشبيه آلية عمل الدماغ بآلية عمل الحاسوب، إذ تقوم العمليات العقلية على نوعين من النشاط، أحدهما يتعلق بمستوى الذكاء أو الطريقة التي (نتفكّر) بها و هذا النشاط يقابله ما يقوم به معالج الحاسوب، و الآخر يتعلق بالمعرفة المخزنة في الذاكرة و إمكانية استخدامها عند اللزوم، أو ما يمكن أن نسميه ب (التذكّر)، يقابل هذا النشاط الآخر المعلومات التي يختزنها الحاسوب على أقراصه الصلبة و المرنة، طبعا مع الأخذ بالاعتبار أن أكثر الحواسب تطورا و تعقيدا لا تستطيع القيام بالأعمال المتنوعة التي يقوم بها دماغ الإنسان، إن تصميم حاسوب يقوم بالأعمال الميكانيكية البحتة فقط التي يقوم بها الإنسان, دون ردود الأفعال العاطفية والإنسانية الأخرى, يعني أن يكون هذا الحاسوب مجهزاً بعدد خيالي من الدارات الالكترونية المتكاملة، وإذا افترضنا أن بناء هذا الحاسوب ممكنا, فإن حجمه سيكون بحجم أكبر القلاع المعروفة. لقد أشار القرآن الكريم* في أحد عشر (11) آية إلى عمليات العقل المتعلقة بالتفكّر: ففي و صفه لأولي الألباب (العقول الراجحة) جاء مثلا: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَ

هل تتمتع الجمادات بالوعي؟

صورة
نبدأ بتعريف ما نقصده بكلمة "الوعي"، فالوعي هو إدراك الشيء لذاته و لما يحيط به و هو ما ينتج عن التجربة و المعاناة ليظهر بمظاهر شتى كالمتعة و الألم و التجارب السمعية أو البصرية، فالوعي بزهرة البنفسج مثلا يثير البهجة بلونها ورائحتها. يسود الاعتقاد بأن الوعي تصنعه أدمغة الكائنات الحية شديدة التطور ، وبالتالي فهو محصور في جزء صغير من الكون، لكن الواقع يشير إلى أن الوعي   ينتشر   في الكون كله ويشكل أحدى سماته الأساسية، و على هذا المفهوم يقوم فرع من فروع الفلسفة المعاصرة يسمى شمولية الوعي Panpsychism     (بان ساي كيزم) وتذهب هذه الفلسفة إلى أن الوعي يشمل كل ما في الكون و يتدرج تطورا و تعقيدا من أبسط   مكونات ذرات المادة إلى الذرات   فالجزيئات فالأحياء الدنيا كالفيروسات و وحيدات الخلية، فالكائنات الحية الأكثر تعقيدا ليبلغ قمة التعقيد و التطور لدى الدماغ البشري الذي يستمد وعيه بطريقة ما من سلسلة التفاعلات الكهروكيميائية المعقدة التي تربط بين وعي   أجزائه و تصنع العالم الداخلي الغريب للإنسان الذي يميز كل فرد عن الآخر ، بالرغم من أن المادة الأولية التي يتكون منها الدماغ واحدة للجميع!